بعد حالة الإنفراج والمصالحات الداخلية،وبدء ذوبان الإصطفافات الداخلية بين معارضة وموالاة،أو فريقي 8و14 أذار،وبعد فتح الطريق بين بيروت ودمشق والتي توجت بزيارة الرئيس الحريري إلى دمشق ،ومصالحات النائب جنبلاط بإتجاهاتها المتعددة،فوجئت الساحة الداخلية بكثافة الزيارات الأميركية الأمنية والسياسية من مستشار الأمن القومي الجنرال جيمس جونز إلى نائب مساعد وزيرة الخارجية(ديفيد هيل)إلى المرشح الرئاسي جون ماكين إضافة الى المبعوث الأميركي للسلام جورج ميتشل ،خلال فترة شهر بعد زيارة الحريري لدمشق، وكانت تهدف إما الى فرملة حلفائها اللبنانيين للتباطؤ في المصالحات أو الإندفاع نحو سوريا،أو لطمانتهم بانها لم تتخل عنهم،أو لشد عضد القوى المعترضة على المصالحة،وللتأكيد ميدانيا أن الوضع اللبناني لا يحل ولا يهدأ بمعادلة (س-س) العربية فقط وإنما بمعادلة (س-أ-س)سوريا-أميركا-السعودية حتى تنجح اي محاولة لبنانية وفاقية.
وبعد الزيارات الأميركية المكثفة،إستفاق اللبنانيون على هزات سياسية متنوعة وفي أكثر من إتجاه،بألسن وسجالات داخلية وخارجية فعلى المستوى الداخلي،ظهرت إنتكاسة بسيطة في تصريحات النائب وليد جنبلاط، بأنه غير نادم عما قاله في السنوات الأربع الماضية،لكنه مصر على متابعة طريق دمشق، أعقبها سجال الرئيس بري والعماد عون،وقبلها السجال حول تشكيل هيئة إلغاء الطائفية السياسية،والهزات الموضعية والعامة بالنسبة للتعيينات الإدارية والإنتخابات البلدية،وتعديل الدستور لخفض سن الإقتراع،الذي استدرج قانون الجنسية،وانتخابات المغتربين،وانتخابات غرفة التجارة والصناعة في صيدا والجنوب بحيث وضعت كل هذه الملفات الخلافية دفعة واحدة على طاولة السجالات، وليس على طاولة الحوار والنقاش مما سبب إنسداد فوهة النفق الداخلي وأغلاق نافذة الضوء التي حلم بها اللبنانيون بعد خطابات التهدئة والمصالحة.
ومما زاد في حرارة السجالات،وخلط الاوراق والتصريحات المفاجئة لأبي موسى مسؤول فتح-الإنتفاضة بخصوص السلاح الفلسطيني خارج المخيمات والتي ظهرت وكأنها خارج السياق المتوقع،وبعدها تحرك الجبهة الشعبية على خطين، عسكري عبر تدريبات قوصايا،وسياسي عبر المشاركة بالمظاهرة أمام السفارة المصرية،ضد الجدار المصري على حدود قطاع غزة.
يضاف إلى ذلك التصريحات اليومية لقادة العدو الإسرائيلي سواء بالتهديد بالحرب،او بالمناورات على الحدود الجنوبية،والتي يدعمها الاميركيون بشكل فاضح بتصريحات الرئيس أوباما وتأكيده أن سلاح حزب الله هو الذي يهدد إسرائيل ولم يشر إلى الخروقات والإنتهاكات الإسرائيلية اليومية بشهادة القوات الدولية ضد القرار 1701،وتصريحات الوديعه الإسرائيلية في الخارجية الفرنسية المتمثلة بالوزير كوشنير،الذي صرح إما عن جهل بالوقائع وهذه كارثة دبلوماسية،أو بالتواطئ والتحالف مع العدو الإسرائيلي،وهذا اكثر إيلاما،بحيث بدت فرنسا وكأنها برأسين ولسانين،واحد يمثله الرئيس ساركوزي المنفتح على سوريا،وآخر يمثله كوشنير الذي يقوم بالمعارك ضد إيران والمقاومة وسوريا،نيابة عن العدو الإسرائيلي.
المثير للقلق يستدعي طرح السؤال الأساس...هل أن الهدنة الهشة،والخطاب الوطني على مشارف الإنهيار بإنتظار حادثة أمنية ما...؟،أوعبر حادث له وجه بريء،كالمطالبة بالكهرباء،والتي تثير الإستغراب أنها تركزت على خط طرابلس حمص بعد زيارة الرئيس الحريري لسوريا،والتي أعقبها إطلاق النار على الباص السوري وقتل أحد ركابه.
وهل تمت الإستعاضة عن النار المباشرة،بنار الدواليب على الطرقات بانتظار اللحظة المناسبة،التي تشعل الفتنة من جديد...وتهدم ما تم بناؤه...وتهيئ الأجواء الداخلية للحرب الإسرائيلية المفترضة.
إذا كانت هذه الهواجس غريبة وخيالية..أو مشروعة فعلى القيادات والقوى السياسية،المسارعة إلى تخفيف الحمى السياسية المتصاعدة...قبل فوات الاوان..لأن الجمهور العام لكل القوى السياسية المتصالحة،لم يهضم حتى اللحظة جرعة الوحدة والتفاهم والمصالحة،وهذا الجمهورالذي تم تحريضه وشحنه خلال أربع سنوات.. لا تكفيه أربعة أشهر ليتم ترويضه وتبريد الرؤوس الحامية بين صفوفه، خاصة وأن بعض القوى الخارجية المتضررة من حالة الهدوء تتربص شرا بلبنان وشعبه ومقاومته.
فهل نستيقظ قبل أن تصل النار إلى محميات الطوائف والأحزاب والمؤسسات ؟!.